بريطانيا والشريعة الإسلامية
احمد عمرابي
كأنهم كانوا متلهفين إلى حلول فرصة سانحة لإطلاق عاصفة من الهجوم على الإسلام والمسلمين.
الحديث عن بريطانيا وعاصفة الانتقاد الغاضبة على رئيس الكنيسة الانجليزية بعد أن اعتبر أن تطبيق بعض أحكام الشريعة الإسلامية في المجال الاجتماعي أمر ملائم للمسلمين البريطانيين، وبقدر ما عكست تصريحات روان ويليامز سعة أفق وتفهماً إنسانياً فان العاصفة الهوجاء التي ووجه بها تفضح زيف «التسامح» الديني الذي لا يكف السياسيون البريطانيون عن الدعوة إليه.
في سياق مقابلة مع الإذاعة البريطانية «بي بي سي» حول «الإسلام والقانون البريطاني» اعتبر كبير أساقفة الكنيسة الانجليكانية أن تبني بعض أحكام الشريعة الإسلامية في بريطانيا أمر لا مفر منه، وقال وليامز إن على الناس التعامل بذهن انفتاحي مع الشريعة الإسلامية.
وعلى الفور انطلق رد فعل عاصف دشنه رئيس الحكومة البريطانية غوردون براون قائلاً بضرورة تطبيق القانون البريطاني «بالاستناد إلى القيم البريطانية»، وبعد رئيس الوزراء جاء دور وزير الثقافة آندي برنهام قائلاً إن من المستحيل تطبيق نظامين قانونيين في آن معاً. «ستكون هذه وصفة للفوضى»، وبسرعة انتقل الأمر من المجال الحكومي إلى المجال الإعلامي حيث طالبت صحيفة «صن» بعزل رئيس الكنيسة بعد أن وصفت تصريحاته بأنها تشكل «تهديداً خطيراً لأمتنا».
ومع اشتداد العاصفة اضطر ويليامز إلى التراجع نسبياً، ففي اليوم التالي أصدر مكتبه بياناً جاء فيه انه لم يقترح نظاماً قانونياً موازياً للقانون البريطاني وإنما أشار إلى أن بعض أحكام الشريعة الإسلامية «معترف بها في مجتمعنا وقانوننا».
المجتمع البريطاني في معظمه مسيحي. لكن لوجود أقليات تتكون من مواطنين بريطانيين تنتمي لأديان أخرى فانه يعتبر مجتمعاً متعدد الثقافات. فما البأس في تطبيق بعض قوانين الشريعة الإسلامية في حدود شؤون الأقلية المسلمة، خاصة أن اقتراح رئيس الكنيسة الانجليزية ينحصر في جوانب الشريعة الإسلامية المتعلقة فقط بالأحوال الشخصية كأحكام الزواج والطلاق والميراث.
وكاد وليامز أن يقول إن هناك تمييزاً مقصوداً ضد الأقلية المسلمة البريطانية حين صرح في سياق المقابلة الإذاعية بأن هناك ديانات أخرى بريطانيا تحظى بالتسامح مع قوانينها.
ولو شاء رئيس الكنيسة أن يخرج من التلميح إلى تسمية الأشياء بأسمائها لأشار إلى حقيقة أنه توجد في بريطانيا محاكم دينية للأقلية اليهودية لقضايا الأحوال الشخصية.
هنا نتوقف لنتساءل: ما معنى الدعوة إلى التسامح التي تصدر على هيئة مواعظ في المؤسسات الغربية إلى شعوب وحكومات البلدان الإسلامية؟ وهل هي طريق لاتجاه واحد؟
فالأغلبيات المسلمة في البلدان الإسلامية مطالبة على الدوام بمراعاة التسامح مع الأقليات غير المسلمة التي تتعايش معها لكن التسامح في الغرب مع الأقليات المسلمة يبقى تنظيراً ينفضح أمره في اختبار عملي على نحو النيران التي أطلقت على كبير أساقفة الكنيسة الانجليكانية بعد أن طلب بمساواة الأقلية المسلمة في بريطانيا مع الأقلية اليهودية ـ على أقل تقدير.
هكذا يعاقبون شخصية مسيحية بسبب دعوة إلى إنصاف المسلمين.. فكيف يكون الحال إذا صدرت الدعوة عن شخصية مسلمة؟